تلقت القيادة السودانية دفعة معنوية ودبلوماسية بزيارة نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى بورتسودان، وإعلانه دعم بلاده لسيادة السودان والشرعية القائمة، ورفض التدخلات الأجنبية في شؤونه ومخططات تمزيقه.
وتأتي زيارة المبعوث الروسي بعد أيام من إجرائه محادثات مع المدير العام لجهاز المخابرات العامة السوداني أحمد إبراهيم مفضل في موسكو.
ويرى مراقبون أن الزيارة تأتي في إطار سعي موسكو لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية، بينما يُبدي آخرون مخاوفهم من أن تصبح البلاد ساحة للصراع بين روسيا وأوكرانيا من جهة، ومركز تجاذب بين الدول الغربية وموسكو من جهة أخرى.
عقد بوغدانوف ومرافقيه من وزارتي الدفاع والمعادن -خلال زيارتهم الرسمية التي تستمر يومين- لقاءات منفصلة مع كلٍ من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وعضو المجلس نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي، ووزير الخارجية حسين عوض، ووزير المعادن محمد بشير أبو نمو.
وبحث الجانبان تبادل الدعم السياسي والتعاون العسكري والاقتصادي، وتوسيع الاستثمار الروسي في إنتاج المعادن وخصوصا الذهب.
وذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أن كباشي أشاد بـ”مواقف روسيا الداعمة للشرعية السودانية”، وشدد على انفتاح السودان على كل مبادرات حقن الدماء، لكن “في إطار الشرعية والرؤية السودانية، التي تضمن وتحفظ حقوق الشعب السوداني كاملة”، مؤكدا أن “كل محاولات المتربصين بمصالح السودان وسيادته واستقراره مصيرها الفشل”.
وخلال لقائه وزير الخارجية السوداني عوض حسين، قال بوغدانوف إن لدى كل من روسيا والسودان سفارة، وسفيرا معتمدا يؤدي مهامه بشكل طبيعي في الدولة الأخرى “مما يؤكد العلاقات المتميزة بين البلدين”، وتابع أن “روسيا تعتبر مجلس السيادة الانتقالي الممثل الشرعي للشعب السوداني”.
وأوضح حسين أن المبعوث الروسي “استنكر الدعاوى القائمة على المساواة بين شرعية الدولة السودانية والتمرد” في إشارة إلى قوات الدعم السريع، وأكد دعم روسيا للسودان “في مواجهة كل ما من شأنه تهديد سيادته ومصالح شعبه”، كما ترفض “التدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه”.
وانتقد المسؤول الروسي أسلوب القوى الغربية “التي تعتقد أنها تتحكم منفردة في الشؤون الدولية وتحدد مصائر الشعوب”، وضرب مثالا على ذلك بما وصفه بـ”المؤتمرات التي تنظمها حول قضايا دول مستقلة دون مشاركتها، مثلما حدث في مؤتمر باريس”، الذي نظمته فرنسا في 15 أبريل/نيسان الجاري، بالتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان.
وعندما سُئل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن سبب عدم دعوة الحكومة السودانية لحضور المؤتمر، أجاب أنه “بسبب انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على المدنيين وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي”، وهو ما عده مراقبون تشكيكا في شرعية الحكومة.
يرى الباحث في العلاقات الروسية السودانية عصام صلاح الدين أن المصالح والمناورات وراء التقارب بين البلدين، حيث إن القيادة السودانية تسعى إلى تعاون عسكري يعزز موقفها بالحرب مع قوات الدعم السريع، فغالبية أسلحتها وخصوصا الطيران المقاتل روسية، كما تعمل لتخفيف الضغوط الغربية عبر توجيه رسائل بأنها يمكن أن تمضي في تحالف مع عواصم معادية للدول الغربية.
ويوضح الباحث للجزيرة نت أن معلومات استخبارية وتقارير غربية تحدثت عن تعزيز روسيا وضعها الاقتصادي بالذهب المهرب من السودان، قبل شن حربها على أوكرانيا، مما منع اقتصادها من الانهيار بعد العقوبات الغربية التي فُرضت عليها، ورجح أن تتوسع بالاستثمار في الذهب بزيادة عدد شركاتها العاملة في السودان.
ويضيف عصام الدين أن موسكو تسعى أيضا إلى تعزيز نفوذها في أفريقيا بعدما تغلغلت في المستعمرات الفرنسية السابقة، ويمثل موقع السودان الجيوساسي المنفتح على الساحل الأفريقي والقرن الأفريقي والبحر الأحمر مصدر اهتمام وتنافس بين كثير من الدول الكبرى.
بين موسكو وكييف
ويبدي مراقبون مخاوفهم من تحول السودان إلى ساحة حرب بين موسكو وكييف، بعدما كانت مجموعة “فاغنر” الروسية تساند قوات الدعم السريع وتدرب مقاتليها وتمدها بالأسلحة، بينما كشفت تقارير غربية أن المخابرات العسكرية الأوكرانية تدعم الجيش السوداني، ونفذت قوات أوكرانية خاصة عمليات ضد ضباط من “فاغنر” في السودان.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية قالت إن القوات الخاصة الأوكرانية تهدف إلى تقويض العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج، ورفع كلفة الحرب على موسكو.
ومن جهة أخرى، قدم السفير الأوكراني المقيم بالقاهرة ميكولا ناهورني الأسبوع الماضي نسخة من أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوداني المكلف سفيرا لبلاده ومقيما بالقاهرة أيضا، وأعلن ميكولا أن أوكرانيا ستفتح سفارة مؤقتة لها فى بورتسودان خلال الأشهر القليلة المقبلة.
مواجهة الغرب
وشهدت السنوات الأخيرة انتعاشا للدور الروسي في القارة السمراء، حيث تعزز موسكو حضورها تزامنا مع تراجع النفوذ العسكري الفرنسي في القارة، ويضع مراقبون روس زيارة المبعوث الروسي إلى بورتسودان في إطار تعزيز هذا الدور الروسي، ومواجهة غير معلنة مع المنظومة الغربية.
ويقول الكاتب في الشؤون الأفريقية ألكسي شرباتيخ، إن الصراع في القارة الأفريقية يتميز بتأثير كبير من “لاعبين خارجيين، الذي من دونه لا يحدث أي تصعيد تقريبا في أفريقيا”.
ويستشهد شرباتيخ في حديثه للجزيرة نت بتصريح سابق للسفير الروسي في الخرطوم، قال فيه إن الغرب زرع “قنبلة موقوتة” عام 2019 بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، لتكييف السودان مع “المعايير النيوليبرالية” الغريبة عن سكان البلاد، وهو ما أدى في المحصلة لأزمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.
ووفقا للمتحدث، فإن روسيا معنية بأن تكون على تماس مع صناع القرار في السودان، بحيث لا تتعارض مع أي تسوية مفترضة أو حسم نهائي للصراع في البلاد، فسعيها لتعزيز حضورها في السودان يأتي في سياق الإطار العام الساعي لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية.
غير أن مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف يعتبر أن الهدف الرئيسي لزيارة المبعوث الروسي يتمحور حول رغبة روسيا بإقرار البرلمان السوداني -بعد تشكيله- اتفاقية بناء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، حسب الاتفاق الموقع بين الرئيس المعزول عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017.
ويعتقد كركودينوف أن الأحداث الجارية في السودان ستؤجل تنفيذ الاتفاقيات مع روسيا إلى أجل غير مسمى، وأن زيارة بوغدانوف إلى السودان تأتي بهدف الاطلاع على السيناريوهات المتوقعة بهذا الشأن.