مأساة ابوحميرة بشمال كردفان..
دستتان ونيف من الجثث وما تبقى تحت الرماد..!
تقرير : محمد أحمد الدويخ
ظل حاج النعيمة (80) عاماً يهدهد أحفاده عشماً في عودة أبنائه من سوق فنقوقة محملين بما لذ وطاب للاسرة من الطيبات وخيرات السوق الاسبوعي الذي يصادف يوم الاربعاء من كل اسبوع وتزداد لهفة الصغار كلما اقتربت شمس ذلك اليوم نحو المغيب ولكن كانت المفاجاة ان تحيط بالقرية عشرون سيارة تاتشر محملة بالاسلحة الثقيلة تسبقها الاتربة و(العجاجة) التي لم تبشر بخير لاهل القرية الوادعة شمال غرب منطقة الجفيل المعروفة كأكبر منتج للصمغ العربي بالسودان وشمال كردفان .
تلاشى حلم الصغار بما طاب من الاكل والشرب وصوت الرصاص (يلعلع) فوق الرؤوس ويختلط حابل الرجال بنابل النساء والاطفال ما بين مهرول لجهة غير معلومة وآخرين فضلوا الاختباء تحت العناقريب والدولايب داخل بيوت القش التي لا تقي ساكنيها من البرد و هوج الرياح عندما تشتد العواصف ذات شتاء قارص او صيف لافح ..
حدث ذلك مساء الأربعاء 31 / 5 / 2023.م من توقيت الكارثة ، واستمرت المأساة بمحاصرة المسلحين للقرية حتى السبت 3 / 6 / 2023.م
عندما أصبح الجد مع عداد
الموتى والأحفاد تحت الرماد :
على مدى ثلاثة أيام لم يتفضل أحد من الرسميين بولاية شمال كردفان او النظامين او منسوبي الأدارة الاهلية او أهالي القرى المجاورة (محدودي الحيلة) لم يتمكن أحد من استغاثة المنكوبين بقرية ابوحميرة التي يتجاوز سكانها (1500) نسمة حسب شيخ القرية عبدالباقي ابراهيم الذي نجا من الموت بأعجوبة لتواجده خارج القرية لحظة وقوع الكارثة ولكنه فقد اثنين من ابنائه للأسف ضربا بالرصاص هما : ابراهيم عبدالباقي ابراهيم (28) سنة و محمد عبدالباقي ابراهيم (17) سنة كما فقدت القرية المسن محمود علي النعيمة (حاج النعيمة) أحد ابرز رموز القرية الرواد . فقد كان الراحل النعيمة كما اسلفنا يهدهد احفاده الصغار حتى لا يناموا في انتظار عودة القادمين من سوق فنقوقا ولكن حلم العشاء الطازج تبدل كابوسا راح ضحيته الجد (حاج النعيمة) اغتيالا بالرصاص قبل ان يفي القادمون بأمنيات احفاده فيما هوى الصغار تحت رماد البيوت التي شهدت حريقاً ودمارا لم يفعله هولاكو بأرض الرافدين ذات سطوة..!
روايات الهاربين وقسوة الموت الأبشع في تاريخ المنطقة :
يقول الشقيقان (ح.ا.أ) و (ي.أ.أ) عقب صلاة المغرب من مساء الاربعاء 31 / 5 / 2023.م داهمت قرية ابوحميرة بمحلية الرهد بولاية شمال كردفان أكثر من (20) سيارة تحمل اسحلة ثقيلة امطروا القرية بوابل من الرصاص والمقذوفات الثقيلة ولم يسلم من ذلك حتى المصلين بمسجد القرية والمرضى بمركز صحي ابوحميرة الذي تم قصفه وبداخله الطبيب الدكتور طلب أحمد عبيد وعدد من المرضى في مشهد مأسوي بشع لا يتصوره عقل الانسان مهما كانت جناية اهل تلك القرية الوادعة على الاطلاق ..
ويواصل الشقيقان روايتهما عن طريقة خروجهما من براثن الموت باعجوبة تنفيذا لوصية والدتهما المسنة التي نصحت أبنائها (35) عاما و (25) عاما بالخروج فورا وتركها مع زوجة الشقيق الاكبر (ح.أ.أ) المرضعة عشما في نجاتهما من الموت بإذن الله خاصة ان المعتدين نوهوا الى انهم لا يقتلون النساء والاطفال ..!
يقول الشقيق الاكبر :
إنه تمكن من الخروج من منزله مع شقيقه حبوا من تحت اطار سيارته المتواجدة امام المنزل دون ان يحس بذلك المسلحون حتى تمكنا من مغادرة القرية منتصف الليل في عملية انتحارية محفوفة بالحذر والخطر في الوقت الذي تم فيه اغتيال آخرين حاولوا الهروب بعد ملاحقتهم . غير ان الشقيقين لم يعلما حتى كتابة هذه السطور في اليوم الثالث للاحداث لم يعلما شيئا عن مصير والدتهما والزوجة المرضعة ولكنهما يتمسكان بالعشم في تواجدهما أحياء بالقرية او هروبهما الى مكان آخر ..خاصة انهما لم يجدا اسم إحداهن بقائمة الموتى الذين تمكن اهالي القرى المجاورة من موارتها الثرى ولكن لم يطمئن الشقيق الاكبر لذلك التبرير خاصة ان هنالك اعداد كبيرة من الموتى قضوا نحبهم حرقاً داخل البيوت وظلوا على مدى ثلاثة أيام تحت الرماد دون ان يتمكن احد من حصرهم ..!
دستتان ونيف من الجُثث
وما تبقى تحت الرماد :
منذ اندلاع الأحداث بقرية ابوحميرة تبادل ناشطون من أبناء القرية والقرى المجاورة بقرى بُولي شرق ابو حميرة وام شٍقل جنوب شرق ومنطقة الجفيل تبادلوا اخبارا عاجلة تؤكد مقتل العشرات وحرق الممتلكات بما يفوق (40) حالة وفاة و حرق (20) متجراً و (25) سيارة بينها (18) لوري بجانب سيارات التويوتا والكلك والاتوس والرينجرز والبصات السفرية بالاضافة الى العشرات من المخازن التجارية والمحاصيل الزراعية.
#فيما تمكن مواطنو القرى المجاورة في اليوم الثالث للكارثة اي عصر السبت 3 / 6 / 2023.م تمكنوا من دفن (28) جثة من المتوفيين تم رصد اسمائها وأعمارها بينها امراة واحدة فيما ظلت بقية الجثث مجهولة الهُوية بعضها داخل المنازل المحترقة وأخرى في العراء في ظل الغياب (المعيب) للرسميين بولاية شمال كردفان وخيبة الوالي حتى من ارسال برقية تعزية او مشاركة حتى بعد مغادرة المعتدين للقرية بالاضافة الى خذلان الادارة الاهلية التي ظلت على مدى قرون من الزمان (تتشدق ) بهيبتها وجبروتها على (الظلمة) و المعتدين وظل قادتها وزعماؤها (يدعون) الحكمة في الأجاويد وادارة الامور والكوارث دفاعاً عن المواطنين ومنسوبيهم بالقبيلة والارض والجغرافيا متى تطلب ذلك أوحلت الكروب و(إدلهمت) الخطوب ولكن بانت حقيقة هولاء الزعماء المزعومين وانكشفت (منسأة) تلك القيادات الأهلية والرموز الواهية التي كان الناس يتكئون عليها بالبهتان والخديعة والضلال من اجل المصالح وتضخيم الذات .
قائمة باسماء الشهداء
الذين تمت مواراتهم الثرى :
1 . محمود علي حاج النعيمة (80) سنة .
2 .حسن العميدة (75) سنة.
3 . الطيب عبيد حسن (60) سنة .
4 . حسين عبيد محمد (55) سنة .
5 .أحمد فضل النور (55) سنة .
6 . النمير محمد ابراهيم (53) سنة.
7 .ادم العوض أحمد (50) سنة .
8 . ابراهيم الحاج الحضيري (50) سنة.
9 .طلب أحمد عبيد (45) سنة (طبيب القرية).
10.الجيلي أحمد (45) سنة.
11 .محمود عثمان (45) سنة.
12 .عادل الطاهر جاد مولى (40) سنة . 13 .بريمة سعيد حامد (40) سنة . 14 .خير الله عبيد محمد (40) سنة .15 .علي حامد علي (35) سنة. 16 . أحمد ادم العوض (35) عاماً . 17.عبد الصمد عبد الباقي حسين النور (30) سنة. 18 .ابراهيم عبدالباقي ابراهيم (28) سنة . 19 .جبريل النور (25) سنة. 20 .محمد الجيلي أحمد (25) سنة . 21. منهد ابراهيم الحاج الحضيري (24) سنة (عريس). 22 . محمد عبدالباقي حاج ابراهيم (17) سنة .
مواساة المتابعين
وغياب المعلومة :
على مدى ثلاثة ايام من اندلاع كارثة ابوحميرة ظل المتابعون يتابعون الكارثة بحسرة وأسى ولم يتمكن احد بما فيهم منسوبي القرية داخل وخارج السودان من الحصول على الحقائق والاحصائيات الكاملة عن عدد الموتى او الجرحى والمصابين بحكم تواجد المسلحين واحاطتهم للقرية تماما غير ان خروج المعتدين من القرية عصر اليوم الثالث اتاح الفرصة للعديد من ابناء ابو حميرة والقرى المجاورة من الوصول للقرية التي تم حرقها ودمارها تماما على عشم ان يتمكن المتابعون من معرفة الحقيقة والاحصائيات البشعة التي ستظل خالدة في ذاكرة التاريخ عارا وخيبة على جبين القادة والمسئولين والنظاميين والرسميين بولاية شمال كردفان..تلك الولاية التي ظلت مستباحة على مدى (47) يوما من اندلاع الحرب صباح السبت 15 / 5 / 2023.م الموافق 24 رمضان 1444هجرية.
والموت يحصد ارواح الأبرياء من المواطنين المدنيين الذين تجاوزت اعدادهم (116) حالة وفاة حسب مشرحة مستشفى الابيض اغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن.