بالتخطيط المستمر الذي استمر أسبوعًا، تمكنت عائلة الخير من مغادرة المنزل في منطقة الصالحة غربي العاصمة السودانية. واستغرقت رحلة هذه الأسرة نحو ثلاث ساعات حتى تصل لحظات الشعور بالأمان من أصوات الرصاص والمدافع والاقتحامات العسكرية.
ارتفعت الرغبة وسط عشرات الآلاف من المدنيين لمغادرة العاصمة السودانية مستغلين الهدوء النسبي الناتج عن الهدنة
كان يتعين على عائلة الخير التي تتكون من ولدين وبنت وأم أن تعبر نقاط تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع التي تسيطر على بعض الشوارع.
سأل جندي الدعم السريع الخير (45 عامًا) عن وجهتهم، وكانت إجابته مدينة دنقلا الولاية الشمالية. تمكن أفراد العائلة من عبور نقاط تفتيش مماثلة بأسئلة مشابهة حتى غادروا حدود العاصمة السودانية.
ارتفعت الرغبة وسط عشرات الآلاف من المدنيين لمغادرة العاصمة السودانية مستغلين الهدوء النسبي الناتج عن الهدنة التي تم الاتفاق عليها في العشرين من الشهر الجاري بمدينة جدة السعودية.
هناك مشاكل تواجه المدنيين الذين يودون المغادرة حسب ما يؤكد الخير لـ”الترا سودان”، قائلًا إن المدنيين يخشون من عدم وجود مراكز إيواء خارج العاصمة لذلك يفضلون البقاء تحت دوي المدافع والطيران الحربي في قتال عنيف في بعض الأحيان.
ولم تعلن وكالات الأمم المتحدة عن خطط لإجلاء المدنيين حتى الآن، ولم تصدر مناشدات بالتوجه إلى نقاط بعينها بعد مرور أكثر من (40) يومًا من الصراع المسلح بين الجيش والدعم السريع.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون غربيون إن الصراع المسلح في السودان قد يطول نتيجة اعتقاد الطرفين أن بإمكانهما “تحقيق نصر عسكري” عوضًا عن الحل التفاوضي.
بعض المحطات المؤقتة تستخدمها الحافلات لنقل المدنيين شرق العاصمة وشمال الخرطوم مع استغلال حركة بعض الشوارع على الرغم من انتشار نقاط التفتيش العسكرية.
يقول أحمد الذي يعمل في نقل الركاب من محطة الميناء البري جنوب العاصمة في حديث “الترا سودان”: أصبح السفر متاحًا من هذا الموقع لحوالي (10) آلاف شخص يوميًا يغادرن من هذه المحطة إلى مختلف أنحاء السودان، حتى من يتوجهون إلى مصر وجنوب السودان يستخدمون الحافلات التي تنقلهم إلى بعض الولايات للسفر إلى خارج السودان.
وأردف: “لاحظنا أن الآلاف أيضًا يغادرون من هنا إلى مدينة القضارف شرق السودان يودون الانتقال إلى إثيوبيا، أغلبهم يخططون لإقامة طويلة المدى هناك”، وأضاف: “نشاهد اليأس على وجوههم من تحسن الوضع قريبًا في السودان”.
عشرات الآلاف من السودانيين وجدوا أنفسهم في خضم صراع مسلح وعنيف وانعدام لأساسيات الحياة مثل الكهرباء والمياه والهواتف وحتى الغذاء، وفي ذات الوقت لا يمكنهم تدبر الأموال لسداد تكاليف السفر، بالأخص العائلات الكبيرة.
قال الخير: “بعض العائلات باعت الذهب أو الأثاثات والأجهزة المنزلية حتى تغطي تكلفة السفر. هؤلاء لم يمكن أمامهم خيار سوى أن يفعلوا ذلك، فقد تخلى الجميع عن المدنيين في حرب قد تقتلك فيها رصاصة طائشة ولا تجد من يواري جثتك”.
وإذا ما استمرت الحرب الشهور القادمة، فإن أحياء واقعة وسط العاصمة السودانية قد يكون البقاء فيها “من الجنون” – طبقًا للسيدة هبة التي غادرت شرق الخرطوم.
تضيف في حديثها لـ”الترا سودان”: “أنا في القاهرة بجسدي وقلبي معلق في منزلي شرق العاصمة السودانية. وصلت مع عائلتي حيث نقيم في مسكن بقيمة (10) آلاف جنيه مصري، ما يعادل حوالي (300) دولار أمريكي”.
بالنسبة لعشرات الآلاف من المدنيين الذين فضلوا البقاء في العاصمة السودانية وسط القتال، فإن تكلفة السفر أو الإقامة في العاصمة المصرية لا يمكن الحصول عليها، لأنهم يعتمدون على وظائف وأعمال خاصة في السودان، مثل العمل في الأسواق والتجارة والأعمال الصغيرة.
مواطنة: تلك الجدران والأشجار وأعمدة الإنارة وكليتي وجامعتي جميعها ذكريات ما تزال عالقة
ذكرت ريماز التي تقيم في القاهرة مع عائلتها: “نعتمد على تحويلات من شقيقي الذي يعمل خارج السودان لتأمين تكلفة المعيشة والسكن هنا. لقد هربنا من القتال ونحن نشعر بالحزن على فراق منزلنا، ونشعر بالأسى حينما نتذكر بأننا ترعرعنا فيه مع عائلتنا. تلك الجدران والأشجار وأعمدة الإنارة وكليتي وجامعتي جميعها ذكريات ما تزال عالقة”.
الترا سودان.