معركة مدرعات الشجرة – ثاني أيام الهدنة
بعد استغلالها لأول أيام الهدنة لدخول منطقة القوز والحلة الجديدة، قامت قوات الدعم السريع يوم أمس بشن أكبر هجمة لها على مدرعات الشجرة منذ بداية الحرب.
في صباح الأربعاء 24/05، استيقظنا على انباء تقدم قوات الدعم السريع حتى منطقة الرميلة، الخوف كان يخيم على كل الناس، كثير من السكان هربوا من المنطقة خوفاً من المعركة المُحتمة التي ستحدث وقد شاءت الاقدار أن نكون أنا وأسرتي مِن مَن علقوا في وسط المعركة. نحن جميعاً بخير والحمد لله وانا هنا لأروي ما حدث وما شهدناه نحن وأهل المنطقة في يوم كان هو الأصعب منذ بداية الحرب.
في حوالي الساعة 11:00 ص سمعنا أصوات اشتباكات بعيدة كانت في شارع الغابة حيث قامت قوات الدعم السريع بالهجوم والسيطرة على صك العملة وكانت تدور بينهم وبين أفراد الجيش اشتباكات في تلك المنطقة. وقام مجموعات من الشباب في الأحياء بتتريس الشوارع الداخلية خوفاً من دخول قوات الدعم السريع.
استمرت أصوات الاشتباكات ولم تتوقف وفي الظهيرة بدأ هجوم الدعم السريع على المدرعات شمالاً من منطقة الرميلة متقدمين نحو الجنوب بشارع الشجرة في محاولة للوصول لمدرعات الشجرة. كانت المعركة في البدء تدور في المساحة الواقعة بين استوب بيست كير و مقابر الرميلة، كانت معارك كر وفر، كانت أصوات الرصاص تقترب حيناً وتبتعد حيناً حتى الساعة الواحدة ظهراً.
في حوالي الساعة 1:00 م اشتدت كثافة النيران من الجهة الشمالية، حيث يبدوا أن قوات الدعم السريع حصلت على مساندة من بعض قواتها المُنتشرة في مناطق الديم والعمارات. تمكنت القوة المهاجمة بالمساندة التي وصلتها من شن هجمة عنيفة على قوات الجيش حيث تمكنت من دحرها جنوباً بالقرب من استوب ود الباشا.
بعد سيطرة قوات الدعم السريع على استوب بيست الكير والمنطقة شمالا منه بدأت قوات منها في الدخول للأحياء في محاولة لمهاجمة قوات الجيش من الجهة الغربية.
كانت كثافة النيران القادمة من الجهة الشمالية التي يهاجم منها الدعم السريع كبيرة جداً لدرجة لا يمكن لي وصفها وكانت المعركة تدور بجميع انواع الأسلحة: الكلاشات، الدوشكا، الدانات، قذائف المدرعات والدبابات واسلحة كثيرة أخرى لم اسمع صوتها من قبل فسرتها بأنها ربما تكون مضادات مدرعات من فرط قوة صوتها.
تمكنت مجموعات من قولت الدعم السريع من دخول بعض الأحياء في لاماب ناصر ولاماب بحر أبيض، ولحقت بها مجموعات من قوات الشعب المسلحة لمواجهاتها داخل الأحياء، ولكن كانت قوات الدعم السريع كبيرة جدا فقد تمكنوا من الوصول لمجموعة من المربعات المطلة على شارع إبراهيم شمس الدين وهو الشارع الذي يقود مباشرة إلى المدرعات.
كانت الاشتباكات عنيفة جداً وامتدت داخل الأحياء، ففي حينا مثلا اركتز أحد الأفراد المسلحين في الحائط الشرقي لمنزلنا متخذاً إياه ساتراً ويضرب منه الرصاص.
استمرت المعركة بدون انقطاع ولو لثانية واحدة، وكانت كثافة النيران من الجهة الشمالية التي يهاجم منها الدعم السريع لا تزداد الا قرباً وقوة، تملكنا جميعاً اليأس ونحن على بطوننا في الأرض لا نسمع سوا ضرب الرصاص، انفجارات الدانات، وصرخات الجنود. كلنا كنا نقول في سريرتنا أن الدعم السريع سيتمكن من السيطرة على المدرعات من شدة قوتهم المهاجمة ومن حميّة وطيس المعركة التي غازل رصاصها سطح منزلنا.
في الحقيقة لم أتخيل في حياتي يوماً أنني سأبتهج بسماع صوت آلة من آلات الحرب، ولكن صوت الطائرات الحربية المقاتلة الآتية من جهة أمدرمان ادخل في قلوبنا الطمأنينة.
في حوالي الساعة 2:30 م قَدِمت عدة مقاتلات وطائرات حربية من جهة أمدرمان لتشارك في المعركة، لا أعلم كم كان عددها ولكن من صوتها وصوت الضربات اتوقع أن القوة المهاجمة من الطيران تكونت على الأقل من 3 طائرات نفاثة فئة سوخوي ومجموعة من المسيرات التي لم نسمع صوتها ولكن كنا نسمع صوت متفجراتها.
لا أستطيع أن اوصف لكم مقدار الطمأنينة التي ادخلته هذه الطائرات الحربية في قلوبنا، فكانت كل ما اقتربت الطائرة من مجموعة من قوات الدعم السريع تعالت أصوات الدوشكا ومضاد الطائرات الثنائي وحتى الجنود كانوا يصوبون كلاشاتهم نحوها، وما أن تنزل الطائرة صارخوها يختفي نصف أصوات تلك النيران في لحظة واحدة، ولم تكن تمهلهم كثيراً إذ كانت تلتف لترجع فتضربهم مرة أخرى فيختفي مع دوي انفجار الصاروخ كل أصوات النيران تماماً، تاركتاً خلفها حُطاماً، ناراً، وربما جندي أو أثنين كانا قد ابتعدا في اللحظة الأخيرة.
استمر قصف الطيران لمدة لا تقل عن نصف ساعة متواصلة من الضربات الموجهة التي كان يعقبها إختفاء ملوحظ لأصوات الرصاص في الإتجاه الذي ضربته. اعتقد -بحكم قلة كثافة النيران- أن الطيران تمكن من تدمير ما لا يقل عن 75% من قوات الدعم السريع.
في حوالي الساعة 3:00 م توقف قصف الطيران ورجعت أصوات الاشتباكات من الجانبين الجنوبي (قوات الجيش) والشمالي(قوات الدعم السريع) ولكن كان من الواضح الضعف في كثافة النيران لقوات الدعم السريع هذه المرة إذ كانت ضئيلة جدا مقارنة بما قبل هجوم الطيران.
استمرت المعركة بصورة متقطعة، ولكنها توقفت لمدة نصف ساعة تقريبا ما بين 5:00 – 5:30 م تمكنا خلال هذه النافذة الزمنية القصيرة من أداء فريضة صلاة العصر التي لم يتمكن أي مسجد في منطقتنا او المناطق المجاورة لها من رفع الآذان، وتمكنا من تناول القليل من الطعام لعله يسندنا في هذه المحنة.
عادت أصوات الاشتباكات، وكانت تبتعد عنا رويداً رويداً في إتجاه الشمال، فعلمنا أن قوات الجيش قد تمكنت من دحر الدعم السريع.
واصلت أصوات المعركة بالابتعاد في إتجاه الشمال حتى اختفت أصوات الكلاشات ولم نعد نسمع إلا أزيز الأسلحة الثقيلة.
حوالي الساعة 7:00 م كانت الأوضاع قد بدأت في الهدوء، صوت الرصاص متفرق و متباعد، أفراد من قوات الجيش يحومون الأحياء ويطاردون ما تبقى من أفراد للدعم السريع وربما يجمعون جثثهم أيضاً.
استمر الحال على حاله، لم يخرج أحد من منزله، لم يُشغل أحدٌ من الذين يملكون المولدات مولده، كان الهدوء تاماً يتخلله ضربة سلاح هنا وهناك. نمنا على الأرض متكدسين في أكثر الغرف أماناً في المنزل خوفاً من تجدد الاشتباك. وتوقعنا أن يقوم الجيش بهجمات صاروخية او هجمات بالطائرات على ما تبقى من جيوب للدعم السريع في مناطق الرميلة والقوز، لكن يبدوا أن الجيش التزم بالهدنة ولم يفعل أياً من ذلك.
تمكنا وبحمد الله من النوم رغم الحر الشديد والكهرباء التي ظلت مقطوعة من عدة أيام وحتى لحظة كتابة هذا البوست.
خرجت صباح اليوم الخميس الموافق 25/05 إلى الشارع والسوق.. تمكنت قوات الجيش من دحر الدعم السريع الذي غدر بهم وخرق الهدنة، كما تمكن الجيش أيضا من تحرير صك العملة وتدمير معظم قوات العدو واجبارها على الإنسحاب وبعض منها يتمركز الآن في المنطقة الصناعية في شارع الغابة ولكن الحمد لله لا وجود للدعم السريع في في كل الأحياء من اللاماب بحر أبيض وحتى الرميلة(سوق الرميلة).. ربما كل المناطق خالية ولكن هذه هي المناطق التي تمكنت من التأكد منها.
الحمد لله عادت بعض خطوط المواصلات التي توقفت منذ يوم الأربعاء، السوق عاد للعمل والحركة تبدوا طبيعية في الشارع الحياة تعود بصورة تدريجية ونأمل أن تعود الحياة أفضل من ما كانت عليه ونأمل أن تكون نهاية الحرب قريبة.
الزول.